"آيات منيرة في أحداث السيرة (4) قصة الإفك لا تخفى على كثير من المسلمين، وكانت في غزوة بني المصطلق، وملخصها: أن عائشة رضي الله عنها كانت قد خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في هذه الغزوة بقُرعة أصابتها، وكانت تلك عادته مع نسائه، فلما رجعوا من الغزوة نزلوا في بعض المنازل، فخرجت عائشة لحاجتها، ففقدتْ عقدًا لأختها كانت أعارتها إياه، فرجعت تلتمسه في الموضع الذي فقدتْه فيه في وقتها، فجاء النفرُ الذين كانوا يرحلون هَوْدَجَها فظنوها فيه فحملوا الهودج، ولا ينكرون خِفَّتَه؛ لأنها رضي الله عنها كانت صغيرة السن لم يَغْشَهَا اللحمُ، فرجعت عائشة إلى منازلهم، وقد أصابت العُقد، فإذا ليس به داع ولا مجيب، فقعدتْ في المنزل، وظنتْ أنهم سيفقدونها فيرجعون في طلبها، والله غالب على أمره، يدبر الأمر من فوق عرشه كما يشاء، فغلبتها عيناها، فنامت، فلم تستيقظ، إلا بقول صفوان بن المُعَطَّل: إنا لله وإنا إليه راجعون، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكان صفوان قد عَرَّس في أخريات الجيش؛ لأنه كان كثيرَ النوم، فلما رآها عرفها، وكان يراها قبل نزول الحجاب، فاسترجع وأناخ راحلته، فقرَّبها إليها، فركبتها، وما كلمها كلمة واحدة، ولم تسمع منه إلا استرجاعه، ثم سار بها يقودها، حتى قدم بها، وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة، فلما رأى ذلك الناس تكلم كل منهم على شاكلته، وما يليق به، ووجد الخبيث عدوُّ الله ابنُ أبيٍّ متنفسًا، فتنفس من كرب النفاق والحسد الذي بين ضلوعه، فجعل يستحكي الإفك، ويستوشيه، ويشيعه، ويذيعه، ويجمعه ويفرقه، وكان أصحابه يتقربون به إليه، فلما قدموا المدينة أفاض أهل الإفك في الحديث، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم، ثم استشار أصحابَه لما استلبث الوحيُ طويلًا في فراقها، فأشار كلٌ منهم بما يرى. أما عائشة فلما رجعتْ مرضتْ شهرًا، وهي لا تعلم عن حديث الإفك شيئًا، سوي أنها كانت لا ترى من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كانت تعرفه حين تشتكي، فلما نَقِهَتْ خرجت مع أم مِسْطَح إلى البَرَاز ليلًا، فعثرتْ أم مسطح في مِرْطِها، فدعتْ على ابنها، فاستنكرتْ ذلك عائشة منها، فأخبرتْها الخبر، فرجعتْ عائشة واستأذنتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ لتأتي أبويها وتستيقن الخبر، ثم أتتهما بعد الإذن حتى عرفتْ جلية الأمر، فجعلتْ تبكي، فبكتْ ليلتين ويومًا، لم تكن تكتحل بنوم، ولا يرقأ لها دمع، حتى ظنتْ أن البكاء فالق كبدها، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فتشهَّد وقال: ((أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنتِ بريئة فسيبرئك الله، وإن كنتِ ألممتِ بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب إلى الله تاب الله عليه)). وحينئذ قَلَص دمعُها، وقالت لكل مِن أبويها أن يُجيبا، فلم يدريا ما يقولان. فقالت: والله لقد علمتُ لقد سمعتُم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فلئن قلتُ لكم: إني بريئة - واللهُ يعلم أني بريئة - لا تصدقونني بذلك، ولئن اعترفتُ لكم بأمر - والله يعلم أني منه بريئة - لتُصَدِّقنِّي، واللهِ ما أجد لي ولكم مثلًا إلا قول أبي يوسف: ? فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ? [يوسف: 18]. ثم تحولتْ واضطجعتْ، ونزل الوحي ساعته، فَسُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك. فكانت أول كلمة تكلَّم بها: ((يا عائشة، أما الله فقد برأك))، فقالت لها أمُّها: قومي إليه.. فقالت عائشة - إدلالًا ببراءة ساحتها، وثقة بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله. وهكذا وبعد شهر انقشعتْ سحابةُ الشك والارتياب والقلق والاضطراب عن جوِّ المدينة، وافتضح رأسُ المنافقين افتضاحًا لم يستطع أن يرفع رأسَه بَعده، قال ابن إسحاق: وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يُعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعُمر: ((كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلتُه يوم قلتَ لي: اقتُله، لأرعدَتْ له آنُف، ولو أمرتُها اليوم بقتْله لقتلتْه)). قال عمر: قد والله علمتُ، لَأَمْرُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أعظم برَكةً مِن أمري. وقد نزلت في شأن هذه الحادثة عشر آيات بينات. فما تلك الآيات؟ وفي أي جزء من القرآن وردت؟ أدَع الجوابَ للقرَّاء رغبةً في تفعيل مشاركتهم في هذا المقال. "
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.