هو محتوى حُرٌّ من طرق تنظيم التفاعل الاجتماعي داخل الصف أو خارجه، بحيث تتحقق العملية التربوية على أكمل وجه، ويتخذ التعلُّم التعاوني شكلَ الجلسة الدائرية للطلاب وأسلوب الحوار والنقاش؛ لتحقيق النتاجات التعلُّمية/ التعليمية بحيث يتعلمون معًا دون اتِّكالية مطلقة على المعلم[1].
عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا))[2].
دليل نجاح الرسول صلى الله عليه وسلم في المجال التعليمي:
بنظرة يسيرة إلى ما كانت عليه البشرية قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى ما آلت إليه البشرية بعد رسالته، تعطينا أوضح شاهد ودليل على نجاحه صلى الله عليه وسلم كمعلم للبشرية؛ فأي معلم من المربين تخرَّج على يديه عدد أوفر وأهدى من هذا الرسول الكريم، الذي تخرج من تحت يديه هؤلاء الأصحاب والأتباع؟! فكيف كانوا قبله؟! وكيف صاروا بعده؟!
إن كل واحد من هؤلاء الأصحاب دليل ناطق على عظم هذا المعلم المربي الفريد الأوحد، وهذا يذكرنا بكلمة طيبة لبعض الجهابذة الأصوليين، يقول فيها: لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه، لكفوه لإثبات نبوته[3].
تقول إحدى المستشرقات: مِن المستحيل لأي شخص يدرُس حياة وشخصية نبي العرب العظيم، ويعرف كيف عاش هذا النبي، وكيف علَّم الناس - إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبيِّ الجليل، أحد رسل الله العظماء، ورغم أنني سوف أعرض فيما أروي لكم أشياء قد تكون مألوفة للعديد من الناس، فإنني أشعر في كل مرة أعيد فيها قراءة هذه الأشياء بإعجاب وتبجيل متجددينِ لهذا المُعلِّم العربي العظيم[4].
المطلب الأول: الأساليب النبوية التعليمية الجماعية:
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ بَعْضِ حُجَرِهِ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِحَلْقَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، وَيَدْعُونَ اللَّهَ، وَالأُخْرَى يَتَعَلَّمُونَ وَيُعَلِّمُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((كُلٌّ عَلَى خَيْرٍ، هَؤُلاءِ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، وَيَدْعُونَ اللَّهَ، فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ، وَهَؤُلاءِ يَتَعَلَّمُونَ وَيُعَلِّمُونَ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا، فَجَلَسَ مَعَهُمْ))[6].
وقد عقد الإمام اليوسي فصلًا في قانونه ذكر فيه أصول طرق نشر العلم، فقال: أما التعليم بصورة التدريس فأصله ما كان صلى الله عليه وسلم يفعله في مجالسه مع أصحابه، من تبيين الأحكام والحكم والحقائق، وتفسير الآيات القرآنية، وذكر فضائلها وخواصها، وغير ذلك، وهم في ذلك مجتمعون عليه، فهذا تقرير وتبيين.
وهذه حلقة العلم، ولم تزل حِلَق العلم على العلماء كذلك، وهلم جرًّا[7].
كذلك الصحابة رضي الله عنهم لم يكتفوا بالتلقي عن الرسول صلى الله عليه وسلم وسؤاله عن أحكام الشرع؛ بل كانوا يتجالسون بعضهم مع بعض يتفقهون في الدين ويتدارسون القرآن ويتذاكرونه فيما بينهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهدهم ويرشدهم ويصوبهم ويشجعهم.
2- التعليم بالحوار:
من أبرز أساليبه صلى الله عليه وسلم في التعليم الحوار والمساءلة؛ لإثارة انتباه السامعين وتشويق نفوسهم إلى الجواب، وحضِّهم على إعمال الفكر للجواب، ليكون جواب النبي صلى الله عليه وسلم - إذا لم يستطيعوا الإجابة- أقربَ إلى الفهم وأوقَعَ في النفس.
ومن أشهر أمثلة الحوار حديث جبريل في تعليم أركان الإيمان، الذي رواه عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة، فقد عرضت أهم أركان الإيمان على الصحابة على شكل حوار بين الرسول وبين جبريل عليهما الصلاة والسلام، ليعلمهم معالم دينهم[8].
فعن يحيى بن يعمر، سمع ابن عمر، قال: حدثني عمر بن الخطاب، قال: بينما نحن ذات يوم عند نبي الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يرى، قال يزيد: لا نرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفَّيه على فخذيه، ثم قال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، ما الإسلام؟ فقال: ((الإسلامُ أن تشهدَ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسولُ الله، وتُقيمَ الصلاةَ، وتُؤتيَ الزكاةَ، وتصومَ رمضانَ، وتحُجَّ البيتَ إن استطعتَ إليه سبيلًا))، قال: صدقت، قال: فعجِبنا له، يسألُه ويُصدِّقه، قال: ثم قال: أخبرني عن الإيمان، قال: ((الإيمانُ أن تؤمِنَ باللهِ وملائكتِه وكُتبِه ورُسلِه واليوم الآخر، والقَدَر كله خيره وشره))، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، ما الإحسان؟ قال: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك))، قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ((ما المسئول عنها بأعلم بها من السائل))، قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: ((أن تلِدَ الأَمَةُ ربَّتَها، وأن ترى الحُفاة العُراة رِعاءَ الشَّاء يتطاولون في البناء))، قال: ثم انطلق، قال: فلبث مليًّا، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر، أتدري من السائل؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنه جبريل، أتاكم يُعلِّمكم دينَكم))[9].
قال ابن المنير في قوله صلى الله عليه وسلم: ((يُعلِّمكم دينَكم)) دلالة على أن السؤال الحسن يسمى علمًا وتعليمًا؛ لأن جبريل لم يصدر منه سوى السؤال ومع ذلك فقد سماه معلمًا، وقد اشتهر قولهم: حُسْنُ السؤال نِصْفُ العلم، ويمكن أن يؤخذ من هذا الحديث؛ لأن الفائدة فيه انبنت على السؤال والجواب معًا[10].
3- ترك استخراج الجواب للمتعلم:
إن ترك المعلم الطالب يستخرج الجواب بنفسه، وسيلةٌ نافعةٌ في إعمال الذهن، وتحريضه على التفكير والإدلاء بالجواب، ويكفي هذه الطريقة فائدة، أنها شحذت الذهن والحواس، وجعلتها تبحث جاهدة للعثور على الجواب المطلوب، وهذا في حد ذاته تقدم ومكسب يُضاف إلى رصيد الطالب، وبيان ذلك، بأن يطرح المعلم مسألة معينة، ثم يُقرِّبها لهم ويترك الجواب أو الحكم النهائي لهم، وقد تكون هذه المسألة المطروحة تستلزم جوابًا من الطالب، وقد لا تستلزم ذلك ولكنها تتطلب إعمالًا ذهنيًّا وشحذًا فكريًّا[11].
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا لأصحابه: ((أَخْبِرُونِي عَنْ شَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ))، قال: فجعل القوم يتذاكرون شجرًا من شجر الوادي، قال عبدالله: وألقي في نفسي أو روعي أنها النخلة، قال: فجعلت أريد أن أقول، فأرى أسنانًا من القوم، فأهاب أن أتكلم، فلم يكشفوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هي النخلةُ))، قال: فذكرت ذلك لعمر، فقال عمر: لأن تكون قلت: هي النخلة، أحبُّ إليَّ من كذا وكذا[12].
وفي هذا الحديث من الفوائد:
أ- استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه؛ ليختبر أفهامهم، ويرغبهم في الفكر والاعتناء، مع بيانه لهم ما خفي عليهم إن لم يفهموه[13].
ب- امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى مع بيانه لهم إن لم يفهموه.
ج- التحريض على الفهم في العلم وقد بوَّب عليه المؤلف باب الفهم في العلم[14].
4- تفويضه صلى الله عليه وسلم المتعلم بالجواب والتعليق عليه:
عن ابن شهاب أن عبيدالله بن عبدالله أخبره أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يحدث أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني رأيت الليلة في المنام ظُلَّة تَنْطُف السَّمْن والعسل، وإذا الناس يتكففون منها بأيديهم، فالمستكثر والمستقل، وأرى سببًا واصلًا من السماء إلى الأرض، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل من بعدك فعلًا، ثم أخذ به رجل آخر فعلًا، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به، ثم وصل له فعلًا، قال أبو بكر: يا رسول الله، بأبي أنت والله، لتدعني فلأعبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عبِّر، قال أبو بكر: أما الظُّلة فظُلَّة الإسلام، وأما الذي يَنْطُف من السمن والعسل، فالقرآن حلاوته ولينه، وأما ما يتكفَّف الناس من ذلك، فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض، فالحق الذي أنت عليه، أخذته فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو، فأخبرني يا رسول الله، بأبي أنت، أصبت أم أخطأت؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا))، قال: والله يا رسول الله، لتخبرني بالذي أخطأت، قال: ((لا تُقْسِم))[15].
يحتاج المعلم إلى التعليق على إجابة الطالب بعد تفويضه بالجواب على السؤال المطروح؛ وذلك لأن الطالب قد يكون غير متأكد من الإجابة التي أدلى بها، وأيضًا فإن الطلاب الآخرين الذي يستمعون إلى إجابة الطالب في شوق لمعرفة ما إذا كانت إجابة الطالب صحيحة أم غير ذلك، وعلى المعلم أن يعلق على إجابة كل طالب فيستفيد الطالب من تصويب المعلم له، ويستفيد الطلاب الآخرون بمعرفة صحة الجواب من عدمه[16].
5- القراءة على النبي صلى الله عليه وسلم:
القراءة على العالم والشيخ تُعتبَر من أهم الطرق العلمية للحفظ والفهم؛ لأن الطالب لا يمكن أن يشرد ذهنه في هذه الحال، فهو يقرأ والكل يسمع، وقد اعتبرها المحدثون أعلى درجات الضبط، وحق لهم ذلك، والمعنى أن الطالب يقرأ في الكتاب الذي ألَّفه العالم، والباقي يسمعون، والشيخ يُصحِّح له أو زملاؤه إن قدروا على ذلك، والشيخ يعلق ويعقب ويشرح ويملي عليهم، وهم يكتبون ذلك، وربما كتب ذلك على السبورة وهو الأفضل[17].
عن عبدالله رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ عليَّ))، قلت: أقرأ عليك وعليك أُنزِل، قال: ((فإني أُحِبُّ أن أسمَعَه من غيري))، فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت ? فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ? [النساء: 41]، قال: ((أمسك))، فإذا عيناه تذرفان[18].
المطلب الثاني: فوائد التعليم الجماعي:
1- تحسين قدرات التفكير لدى الطلاب.
2- زيادة ثقة الطالب بنفسه.
3- ارتفاع معدلات التحصيل لدى الطلاب.
4- زيادة القدرة على النقاش.
5- زيادة الحافز الذاتي للتعلم.
6- تدريب الطالب على الوصول إلى المعلومة بنفسه[19].
وقفة:
إن ما نراه اليوم في مدارسنا - مع الأسف - من اعتماد المعلم على الجلوس وراء الطاولة وقراءة الدرس من الكتاب بلغة باردة لا روح فيها ولا تفاعل هي أحد الأسباب الرئيسية في فشل عملية التعليم، فدور المعلم في الإسلام ليس مجرد ملقن للمتعلم فقط، بل هو صاحب رسالة سامية وعبادة راقية تستوجب عليه تطوير مهاراته وأساليبه التدريسية، وعلى رأسها إشراك الطالب وضمان تفاعُله في العملية التعليمية، من خلال ورشات العمل وتعميق مهارات التواصل، وإفساح المجال أمام الطلاب لحرية البحث والمناقشة والمدارسة فيما بينهم ضمن الضوابط اللازمة للوصول إلى جيل متميز يحمل هَمَّ الإسلام بنفسه، ويعمل أن يزرعه في غيره.
[1] الربيعي، محمود داود، المرتكزات الأساس للتعلم التعاوني، ص: 68.
[3] أبو غدة، عبد الفتاح، الرسول المعلم، بتصرف يسير، ص: 14.
[4] آن بيزينت: حياة وتعاليم محمد، دار مادرس للنشر 1932.
[5] مسند أبي يعلى، 7/ 129، رقم: 4088/ قال الهيثمي في مجمع الزاوئد: فيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف.
[6] سنن ابن ماجه، بَابُ فَضْلِ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ، 1/ 83، رقم: 229، قال الشيخ علي شحود: حسن لغيره (الأساليب النبوية في التعليم، ص: 1).
[7] الكتاني، عبد الحي، نظام الحكومة النبوية، 2/ 152.
[8] أبو غدة، عبدالفتاح، الرسول المعلم، ص: 92-95.
[9] صحيح مسلم، بَابُ معرفة الْإِيمَانِ، وَالْإِسْلَامِ، والقَدَرِ وَعَلَامَةِ السَّاعَةِ، 1/ 36، رقم: 8.
[10] فتح الباري، 1/ 125.
[11] شحود، علي، الأساليب النبوية في التعليم، ص: 244.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.