"إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (4) قوله: وسار نحوَ الشَّامِ أشرَفُ الورى في عامِ خمسةٍ وعِشرينَ اذكُرَا لِأُمِّنا خديجةٍ مُتَّجِرَا وعاد فيه رابحًا مُستبشِرَا فكان فيه عَقْدُه عليها وبعدَه إفضاؤُه إليها ولَمَّا بلَغ النبي - صلى الله عليه وسلم - الخامسة والعشرين من عمره، تزوَّج خديجة - رضي الله عنها - وقد ذكَر ابن إسحاق - رحمه الله - في مَغازيه تفاصيلَ قصة الزواج، فقال - رحمه الله -: وكانت خديجةُ بنت خويلدٍ امرأةً تاجرةً، ذات شرفٍ ومالٍ، تستأجر الرجال في مالها، وتُضارِبُهم إياه بشيءٍ تجعل لهم منه، وكانت قريشٌ قومًا تجارًا، فلما بلَغها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بلَغها من صِدق حديثه، وعِظَم أمانته، وكرَم أخلاقه، بعثت إليه، فعرَضت عليه أن يخرج في مالها تاجرًا إلى الشام، وتُعطيه أفضلَ ما كانت تعطي غيره من التجار، مع غلامٍ لها يقال له: ميسرة، فقبِله منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرَج في مالها ذلك، ومعه غلامها ميسرة، حتى قدِم الشام، فنزل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في ظل شجرةٍ، قريبٍ من صومعة راهبٍ من الرهبان، فاطلع الراهبُ إلى ميسرة، فقال: من هذا الرجل الذي نزَل تحت هذه الشجرة؟ فقال له ميسرة: هذا رجلٌ من قريشٍ مِن أهل الحرَم، فقال له الراهب: ما نزَل تحت هذه الشجرة قط إلا نبيٌّ، ثم باع رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - سلعته التي خرج بها، فاشترى ما أراد أن يشتري، ثم أقبل قافلاً إلى مكة ومعه ميسرة، فكان ميسرة - فيما يزعمون - إذا كانت الهاجرةُ واشتَدَّ الحرُّ يرى ملَكينِ يُظلانه من الشمس وهو يسير على بعيره، فلما قدِم مكة على خديجة بمالها، باعت ما جاء به، فأضعَفَ[1] أو قريبًا. وحدثها ميسرةُ عن قول الراهب، وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه. وكانت خديجةُ امرأةً حازمةً شريفةً لبيبةً، مع ما أراد الله بها من كرامته، فلما أخبَرها ميسرةُ عما أخبرها به، بعَثَت إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقالت له فيما يزعمون: يا بن عم، إني قد رغبتُ فيك؛ لقرابتِكَ مني، وشرفِك في قومك، وَسِطَتِكَ فيهم[2]، وأمانتك عندهم، وحُسن خُلقك، وصِدق حديثك، ثم عرَضَتْ عليه نفسها، وكانت خديجةُ يومئذٍ أوسطَ قريشٍ نسبًا، وأعظمهم شرفًا، وأكثرهم مالاً، وكل قومها قد كان حريصًا على ذلك منها لو يقدِر على ذلك. فلما قالت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكَر ذلك لأعمامه، فخرَج معهعمه حمزة بن عبدالمطلب - رضي الله عنه - حتى دخَل على خُوَيلد بن أسدٍ، فخطَبها إليه، فتزوَّجها[3]؛ اهـ. وقال الواقدي: إن عمَّ خديجة عمرو بن أسدٍ هو الذي زوَّجها رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فإن أباها مات يوم الفِجار، قال: وهذا المُجمَع عليه عند أصحابِنا، ليس بينهم فيه اختلافٌ[4]. قال ابن هشام - رحمه الله -: وأصدَقها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عشرينَ بكرةً[5]، وكانت أول امرأةٍ تزوَّجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يتزوَّجْ عليها غيرَها حتى ماتت - رضي الله عنها[6]؛ اهـ. وذكر الواقدي أن عُمُرَ خديجة - رضي الله عنها - حين تزوجها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كان أربعين عامًا[7]. وأما ابن إسحاق، فذكَر أن عمرها - رضي الله عنها - حينها كان ثمانية وعشرين عامًا[8]. [1] أي: ربِح الضِّعفين. [2] الوسيط: الحسيب في قومه. [3] أخرجه ابن إسحاق في مغازيه (59- 61) بدون إسنادٍ، ورواه عنه ابنُ هشام؛ سيرة ابن هشام (1/ 188- 190)، والبيهقي في الدلائل (2/ 66)، وأخرَجه ابن سعد في الطبقات بسندٍ متصل إلى نفيسة بنت أمية، أخت يعلى أبن أمية، ولها صحبة، ولكن في الإسناد: محمد بن عمر الواقدي، وهو متروكُ الحديث، وإن كان إمامًا في المغازي، وعميرة بنت عبيدالله بن كعب بن مالك، وهي مجهولةٌ، ليس لها ترجمة، ولكن قد يؤدي مجموع الطريقين أن للقصةِ أصلاً، والله أعلم. [4] الطبقات (8/ 16)، ط. صادر. [5] البَكْر: هو الفتيُّ من الإبل، والأنثى: بكرة؛ لسان العرب (4/ 79). [6] سيرة ابن هشام (1/ 190)، عن ابن إسحاق بدون إسناد. [7] الطبقات (8/ 16). [8] مستدرك الحاكم (3/ 182)، من كلام ابن إسحاق بدون إسناد. قال الدكتور أكرم ضياء العمري - رحمه الله -: وقد أنجبت خديجةُ من رسول الله ذكَرَيْنِ وأربعَ إناث؛ مما يرجِّح روايةَ ابن إسحاق؛ فالغالب أن المرأةَ تبلُغ سن اليأس من الإنجاب قبل الخمسين؛ السيرة النبوية الصحيحة (1/ 113). "
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.