أخلاق بقاء الأمم (العرب يومئذ قليل) و(الروم أكثر الناس)

الكاتب: المدير -
أخلاق بقاء الأمم (العرب يومئذ قليل) و(الروم أكثر الناس)
"أخلاق بقاء الأمم
(العرب يومئذ قليل) و(الروم أكثر الناس)

 

قالوا: البقاء للأقوى، وقالوا: البقاء للأصلح، وإننا نجد في سنَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم أحاديثَ تخبرنا بالأخلاق المؤهِّلة للبقاء إلى الأجل المُسمَّى، ولعلها نذير لهذه الأُمة؛ فعن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: استيقظ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من النوم محمرًّا وجهُه يقول: ((لا إله إلا الله، ويلٌ للعربِ من شرٍّ قد اقترب، فُتِحَ اليومَ مِن رَدْمِ يأجوج ومأجوجَ مثلُ هذه))، وعقد سفيان تسعين أو مائةً، قيل: أَنهلِك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم، إذا كثُر الخبثُ))؛ رواه البخاريُّ في صحيحه.

 

إذًا؛ فالصلاح ليس مؤهِّلًا من مؤهِّلات البقاء، إلا إذا تعدَّى ليكون إصلاحًا في الغير.

فكيف يكثُر الخبث مع وجود الصالحين إلا إذا صار وجود هؤلاء الصالحين غيرَ مؤثِّر؟!

فالإصلاح تلازمه صفتان هما المنَعة والقوَّة.

المنعة صفة عدم تقبُّل ومجاراة أخطاء المجتمع بالتصدِّي لها، وأما القوة فلازمة للردع حين يصبح للفاسدين أو المفسدين تأثير.

 

روى المستورد بن شدَّاد الفهريِّ أنه قال عند عمرو بن العاص: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تقوم الساعة والروم أكثرُ الناس))، فقال له عمرو: أبصِر ما تقول، قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لئن قلت ذلك، إن فيهم لخصالًا أربعًا: إنهم لأَحلمُ الناس عند فتنةٍ، وأسرعُهم إفاقةً بعد مصيبة، وأوشكُهم كرَّة بعد فرَّة، وخيرُهم لمسكين ويتيم وضعيفٍ، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم مِن ظلم الملوك))؛ رواه مسلم.

 

كان العرب أهل فراسة، وازداد مَن آمَنَ منهم بالإيمان بصيرةً، فنجد هذا الربط من عمرو بن العاص رضي الله عنه - بما منَّ الله به عليه من بصيرة، وما لديه من سابق خبرة - يُعدِّد خصالًا في الروم يراها تُؤهِّلهم للبقاء عند هلاك أمم أخرى!

 

فلماذا يكون العرب حين خروج الدجَّال قليلين، في حين يكون الروم أكثرَ الناس عند قيام الساعة؟!

? وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ? [هود: 117]، فنجد الصلاح وحده لا يؤهِّل صالحي العرب المسلمين للبقاء إلى الأجل المسمَّى، في حين نجد هذه الخصال الخمس المفقودة أهَّلت الروم للبقاء إلى الأجل، ولننظر في هذه الصفات على أنها نذير الهلاك لفاقديها من هذه الأمة: أحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقةً بعد مصيبة، وأوشكهم كرَّة بعد فرَّة، وخيرهم لمسكين وضعيفٍ، وأمنعهم من ظلم الملوك.

 

معرفتنا بتلك الخصال ليست لنقول: هم أفضل منا، أو لنُعظِّمهم في نفوسنا، بل لنُحذر أنفسنا من فقدانها، فهذه الصفات تتكامل معًا لتُشكِّل مجتمعًا متماسكًا منيعًا، سريع النهوض بعد السقوط.

 

فالجراح الواقعة بمرور الأحداث تُنهك الأمم، والظلم يَفتك بها سريعًا ويُوهنها، إلا أن المنعة والتلاحم تُشكلان حصنًا للأمة المتمسِّكة بهما، وبالتالي فإن النوازل لا تفتك بها بالسرعة التي تفعلها بالآخرين إلا بقدر الله عز وجل!

 

وقد جعل الله لقدره سُننًا؛ ذلك ليعلم الناس كيف تقوم الحياة منضبطةً، ويَسلكون سُبل ذلك، فلم يتركهم للتجريب المتخبِّط؛ بل أنزل الميزان، فالحمد لله رب العالمين!

 

ولعلنا لو أخذنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير التفكُّر في أهمية الخبر وما وراءه من بيان، وبمعزلٍ عن الحوار الدائر بين الصحابيَّين - لم ننتفع على النحو المطلوب، فهما يُعلِّمانِنا كيف ننتفع بالخبر من الناحية العملية!

 

فإننا نتعلَّم من الحديث ما يجب أن نتحلى به من أخلاق المنعة والترابط وسرعة الاستفاقة، وكذلك لنعرف الروم حين تكون العداوة، ولننتفع بذلك في التخطيط والمعارك إن شاء الله؛ فنعرف كيف وأين ومتى نضرب أعداءنا؟ وهذه الأخلاق تعين على إقامة الحق إذا ما تآزَرت مع الإسلام.

 

فإقامة الدين في مجتمع لا تستمر من غير القوة والمنعة؛ عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده، لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتَنْهَوُنَّ عن المنكر، أو ليُوشِكَنَّ الله أن يبعثَ عليكم عقابًا منه، ثم تَدعونه فلا يَستجيب لكم))؛ صحيح الترمذيِّ.

 

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، كان الرجل يلقى الرجل، فيقول: يا هذا اتَّقِ الله ودَعْ ما تصنع، فإنه لا يَحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يَمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبَه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرَب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: ? لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ? [المائدة: 78]))، إلى قوله: ? فَاسِقُونَ ?، ثم قال: كلَّا واللهِ لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولَتَنْهَوُنَّ عن المنكر، ولتَأْخُذُنَّ على يدي الظالم، ولتَأْطُرُنَّه على الحق أطرًا، ولتَقْصُرُنَّه على الحق قصرًا))؛ رواه أبو داود في سننه.

 

ففقدُ المنعة يسمح بقَبول الخبث واختفاء إنكار المنكر، ويسمح للظلم باجتياح المجتمع، وفَقْدُ القوة يسمح بانتشار الخبث والظلم لغياب الرادع، وإلَّا فكيف يُؤْطَرُ المخطئُ على الحق أطرًا بغير قوة؟!

وفقدان التوادِّ والتراحم يُعَدُّ أيسرَ سُبل تشرذُمِ الأمم وتفكُّكها؛ عن النعمان بن البشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ترى المؤمنين في تراحُمِهم وتوادِّهم وتعاطُفِهم، كمثلِ الجسدِ إذا اشتَكى عضوًا، تداعى له سائرُ جسدِه بالسَّهرِ والحمَّى))؛ رواه البخاريُّ في صحيحه.

 

فمن أخلاق الروم خيرهم لمسكين ويتيم، فالنوازل تُفكِّك المجتمع؛ لانشغال كل مصاب بمصيبته ومداواتها، وحينها يسهل أن تَشرُد شاردة المسلمين، ويتصيَّدها الشيطان وأعداء الله!

ألسنا نرى التنصير واجتذاب ضعفاء المسلمين إلى الإلحاد والكفر، يقع واضحًا حين يُنسى الضعفاء.

 

في جملة هذا التبيين نجد أن فقدان هذه الخصال مُحقِّق للهلاك مِن خلال:

• انتشار وتمكُّن الخبث وهو سبب مباشر للهلاك.

• طغيان الظالمين وفتْكهم بالأمة.

• تشتُّت الضعفاء وانفصالهم عن الأمة، أو تحوُّلهم إلى ثغرةٍ تُضعفها.

• سوء الفعل والاندفاع عند الفتن.

• المسارعة إلى الكر بعد الفر، فلا يتمكَّن منهم العدوُّ بسهولة في غفوتهم.

 

والواقع الآن أن الأمة تُسارع في تشرُّب عكس هذه الصفات المؤهِّلة للبقاء إلى أجلٍ، وفي ذلك تفريط في سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث حثَّنا على التمسك بها في مواطنَ متعدِّدةٍ.

 

لا تحوي المقالة كل ما يخص أهمية هذه الأخلاق أو كيفية الانتفاع بها؛ بل قصدتُ لفت أنظار الأمة الوسط إلى أسباب هلاكها؛ لعل الله يرزقنا رشدًا لأنفسنا وفي تربية أبنائنا.

وأرجو ألا يكون المقال مثيرًا لمقولة سوء وهي إسلام بلا مسلمين!

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.


"
شارك المقالة:
24 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook