هو صحابيٌّ جليلٌ من بني أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من بين النقباء في بيعة العقبة، واسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن النجار الخزرجي، وُلد في المدينة المنورة قبل الهجرة بستّةٍ وثلاثين عاماً، واشتهر في الجاهلية بفروسيّته، حيث كان من أمهر الرماة، وكان يُعدّ من كبار الأنصار، حيث شهد العقبة، ومعركة بدر، وأحد، والخندق، وحضر جميع الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رديفه يوم خيبر، وكان له موقفٌ عظيمٌ يوم أحد، مصداقاً لِما رُوي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (لمَّا كان يومُ أُحدٍ انهزم ناسٌ من النَّاس، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو طلحة بين يدي النبي صلَى اللَّه عليه وسلم مُجوِّبٌ عليه بحجفةٍ، قال: وكان أبو طلحة رجلاً رامياً، شديد النَّزع، وكسر يومئذٍ قَوسين، أو ثلاثاً، قال: فكان الرجلُ يمرُّ معه الجعبةُ من النَّبل، فيَقولُ: انثرها لأَبِي طلحة، قال: ويشرف نبي الله صلى اللَّه عليه وسلم ينظر إلى القَوْمِ، فيَقول أبو طلحة: يا نبي الله، بأبي أَنت وأُمي، لا تُشرف، لا يُصِبك سهمٌ من سهام القوم، نحري دون نحرِك).
وقد آخى النبي -عليه الصلاة والسلام- بينه وبين أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهما، وقيل إنّ أبو طلحة -رضي الله عنه- كان جهير الصوت، حتى قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لصوتُ أبي طلحة في الجيش خيرٌ من ألف رجلٍ)،
كما وقد روى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عددٌ من الأحاديث، وروى عنه ابن عباس، وأنس بن مالك، وزيد بن خالد الجهنيّ، وابنه عبد الله رضي الله عنهم جميعاً، ورُوي أنّه عاش بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعين عاماً، وكان لا يُفطر إلا في الأعياد، حيث رُوي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنَّ أبا طلحة صام بعد رسول اللَّه أربعين سنةً، لا يُفطرُ إلَّا يوم فطرٍ أو أضحى).
كانت أم سليم والدة أنس بن مالك -رضي الله عنها- سبب إسلام أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه، فقد رُوي أن زوجها مالك خرج إلى الشام؛ لأنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرّم الخمر، وهلك هناك، فجاء أبو طلحة -رضي الله عنه- وخطبها، ولمّا كلّمها في ذلك قالت له: (والله ما مثلُك يا أبا طَلحة يُردُّ، ولكنَّك كافرٌ، وأنا مُسلمةٌ، ولا يحلُّ لي أن أتزوَّجك، فإن تُسلم فذاك مهري، ولا أسألُك غَيره)،[٦] فانطلق أبو طلحة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو جالسٌ بين الصحابة رضي الله عنهم، وأخبره بما قالت أم سليم، ثمّ نطق الشهادتين وأسلم، وتزوّجها على ذلك، فكانت أعظم النساء مهراً؛ لأنّها رضيت بالإسلام مهراً لها
تميّزت شخصية أبي طلحة -رضي الله عنه- بالعديد من الصفات العظيمة، ويمكن بيان بعضها فيما يأتي:[٨] الشجاعة والإقدام: فقد ضرب أبو طلحة الأنصاري -رضي الله عنه- أروع الأمثلة في الشجاعة والإقدام في الجاهلية والإسلام، فقد كان من أمهر الرماة، ومن المواقف التي دلّت على شجاعته ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (من قتل كافراً فله سَلَبُه، فقتل أبو طلحة يومئذٍ عشرين رجلاً وأخذ أسلابَهُم)
كثرة العبادة: فمن صفات أبي طلحة -رضي الله عنه- الاجتهاد في الطاعات، فقد رُوي أنّه صام بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثين عاماً، ولم يكن يُفطر إلا عندما يحرّم الصوم. الكرم والعطاء: كان أبو طلحة الأنصاري -رضي الله عنه- مثالاً يُقتدى به في الكرم والإنفاق في سبيل الله، فقد رُوي أنّه كان ينفق من أحب الأموال إليه، وفي أحد الأيام سمع أبو طلحة -رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب بالنّاس على المنبر ويقرأ قول الله تعالى: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)،
فقام من غير تردّدٍ ولا تأخيرٍ، وتبرّع بأحبّ أمواله إليه؛ وهو بستانٌ اسمه بيرحاء كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخله ويستظلّ بظلّه، ويشرب من مائه، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره بأن يتصدّق به على أقاربه، فتصدّق به أبو طلحة على ذوي رحمه، وكان منهم حسان بن ثابت وأبيّ بن كعب رضي الله عنهم.
في عهد خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أراد المسلمون الغزو في البحر، وكان حينها أبو طلحة -رضي الله عنه- رجلٌ كبيرٌ في السن، وعلى الرغم من صعوبة الغزو في البحر وعناء الكبر إلا إنّ أبا طلحة أخذ يجهّز نفسه للخروج مع المسلمين، فطلَب منه أبنائه عدم الخروج؛ لأنّه أصبح شيخاً كبيراً، بالإضافة إلى أنّه قد غزا في شبابه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعاً، فطلبوا إليه الركون إلى الراحة، والسماح لهم بالغزو بدلاً منه، ولكن أبا طلحة -رضي الله عنه- أصرّ على الخروج للغزوة، وقال لهم: إن الله -تعالى- قال: (انفِروا خِفافًا وَثِقالًا)،
ويقصد بذلك أنّ الله -تعالى- استنفر الجميع الشيوخ والشباب، ونفر أبو طلحة -رضي الله عنه- في تلك الغزوة، وبينما هو على ظهر السفينة في وسط البحر، مرض مرضاً شديداً توفّي على إثره، فأخذ المسلمون يبحثون عن يابسةٍ ليدفنوه فيها، ولكنّهم لم يجدوا إلا بعد سبعة أيام، ودُفن أبو طلحة -رضي الله عنه- وحيداً بعيداً عن الأهل والوطن في جزيرةٍ نائيةٍ، فكانت حياته ووفاته في سبيل الله
موقع موضوع