أبو دجانة الأنصاري سماك بن خرشة وجهوده في الجوانب الاجتماعية والعسكرية في صدر الإسلام

الكاتب: المدير -
أبو دجانة الأنصاري سماك بن خرشة وجهوده في الجوانب الاجتماعية والعسكرية في صدر الإسلام
"أبو دجانة الأنصاري سماك بن خرشة وجهوده في الجوانب الاجتماعية والعسكرية في صدر الإسلام   مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين؛ أما بعد: فيُعد البحث في التراجم الإسلامية لمجتمع الصحابة من المسائل المهمة على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية والشخصية، لِما يوفره من روافد علمية تُسعف الباحث، وتمده بمعلومات وافية عن عصر صدر الإسلام، ومن هنا جاء اختياري لموضوع البحث الموسوم: أبو دجانة الأنصاري سماك بن خرشة، وجهوده في الجوانب الإدارية والعسكرية في صدر الإسلام، وهو موضوع على جانب كبير من الأهمية؛ إذ إن البحث في التراجم التاريخية، وتناول الموضوعات الاجتماعية للأفراد المؤثرين في أحداث التاريخ ذو قيمة كبيرة من الناحية التاريخية الاجتماعية، إذ يكشف الكثير من الأحداث التي رافقت تلك الحقبة المهمة؛ مثل: طريقة المعيشة، والحياة اليومية للفرد، كما يبرز نشاطاته الشخصية ومواهبه التي يتمتع بها، كما أن الدراسة تسلط الضوء على الجانب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي لتلك الحقبة التاريخية.   أبو دجانة الأنصاري سماك بن خرشة صحابي النبي الكريم ومن المسلمين والمجاهدين والمنافحين عن الدين بسيفه، والقوي بالله، الحازم بأمره لمن تطاول، وهو كغيره من أصحاب رسول الله شجاعة وإيمانًا وصبرًا وصدقًا، وقد حاز أبو دجانة هذه الصفات أجمع، وكان بفضل الله المجاهد الصابر النقي التقي؛ من هنا تأتي أهمية الدراسة.   تمثَّل هذا العمل في ثلاثة مباحث رئيسة ومطالب فرعية: وقد مثَّل المبحث الأول حياته ونشأته؛ حيث تناولت اسمه ونسبه ولقبه وكنيته وصفاته. أما المبحث الثاني، فقد تم تسليط الضوء على مكانته وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين فيه.   أما المبحث الثالث والأخير، فقد سلط للحديث عن جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم من خلال غزوة بدر الكبرى وغزوة أحد التي أبلى فيها بلاءً حسنًا، فضلًا عن مشاركته في اليمامة واستشهاده فيها.   لا توجد صعوبات في إنجاز البحث ما خلا بعض الثغرات التي برزت في بعض جوانب حياته كحياته قبل الإسلام؛ إذ إن المصادر التاريخية قد ركزت وبصورة مباشرة على حياته في الإسلام حالها في هذا حال أغلب التراجم.   في الختام، أود أن أشكر كل من ساهم في مساعدتي لإنجاز هذا البحث، مهما كانت حجم المساعدة، كما أرجو من الله أن يجعل لي فيه ثوابًا في الأخرى؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.   المبحث الأول: حياته ونشأته: المطلب الأول: اسمه ولقبه وكنيته: سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة، وأمه حزمة بِنْت حَرْمَلَة من بني زعب من بني سليم بن مَنْصُور، وكان لأبي دجانة من الولد خَالِد، وأمه آمنة بِنْت عَمْرو بْن الأجش من بني بهزمن بني سليم بْن مَنْصُور[1]، وله عبدالله بن سماك بن خرشة[2].   يُكنى سماك بن خرشة بأبي دجانة الأنصاري[3]، وهي كنية اشتهر بها الصحابي الجليل سماك، وغلبت على اسمه الحقيقي، فكان يُعرَف بأبي دجانة، كما عرف بـ(ذي المشهرة)، وهي درع يلبسها في الحرب، و(ذي السيفين)؛ لقتاله يوم أحد بسيفه وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم[4]، أما لقبه، فكان يلقب بابنه خالد، فيُدعى أبا خالد[5]، وآخَى رَسُولُ اللهِ بَيْنَ أَبِي دُجَانَةَ وَعُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، وَشَهِدَ أَبُو دُجَانَةَ بَدْرًا وَكَانَتْ عَلَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ عِصَابَةٌ حَمْرَاءُ[6]، فرحمه الله.   المطلب الثاني: صفاته: اتصف أبو دجانة بالعديد من الصفات الجليلة؛ منها: الكرم والشجاعة ونقاء القلب، التي دلت عليها مواقفه من النبي وأصحابه؛ ومن ذاك ما رُوي عنه في إحدى الغزوات أنه كان لا يلقى أحدًا إلا قتله، وكان من المشركين رجل لا يَدَعُ جريحًا فالتقيا إلا ذفف عليه، فجعل كل منهما يدنو من صاحبه، فالتقيا، فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته، فعضت بسيفه، وضربه أبو دجانة فقتله[7].   كما اتصف بالإخلاص للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين والفداء؛ ومن ذلك عندما جعل نفسه فداءً للنبي في حادثة عظيمة سنتناولها في موضعها من البحث، كما وصف بأنه لا يُقحم نفسه في ما لا يعنيه، وكان قلبه سليمًا لا يحمل غلًّا ولا حقدًا على مسلم؛ فقد روى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ: ((دُخِلَ عَلَى أَبِي دُجَانَةَ، وَهُوَ مَرِيضٌ، وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ، فَقِيلَ لَهُ: مَا لِوَجْهِكَ يَتَهَلَّلُ؟ فَقَالَ: مَا مِنْ عَمَلِي شَيْءٌ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنَ اثْنَتَيْنِ: أَمَّا إِحْدَاهُمَا فَكُنْتُ لاَ أَتَكَلَّمُ فِيمَا لا يَعْنِينِي، وَأَمَّا الأُخْرَى فَكَانَ قَلْبِي لِلْمُسْلِمِينَ سَلِيمًا))[8].   ومن الصفات التي عُرف بها ورعه والتزامه حدود الله، وحرصه على إطعام أهله الحلال الطيب، ذكرت المصادر ((أن أبا دجانة إذا صلى الصبح خرج من المسجد سريعًا، ولم يحضر الدعاء، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: جاري له نخلة يسقط رطبها في داري ليلًا من الهواء، فأسبق أولادي قبل أن يستيقظوا، فأطرحه في داره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبها: بِعْني نخلتك بعشر نخلات في الجنة، عروقها من ذهب أحمر، وزبرجد أخضر، وأغصانها من اللؤلؤ الأبيض، فقال: لا أبيع حاضرًا بغائب، فقال أبو بكر: قد اشتريتها منه بعشر نخلات في مكان كذا، ففرح المنافق ووهب النخلة التي في داره لأبي دجانة، وقال لزوجته: قد بعت هذه النخلة لأبي بكر بعشر نخلات في مكان كذا، وهي داري، فلا ندفع لصاحبها إلا القليل، فلما نام تلك الليلة وأصبح، وجد النخلة قد تحولت من داره إلى دار أبي دجانة))[9]، ورغم تضعيف تلك القصة من قِبل البعض، ولكن ذلك الخلق لم يكن ببعيدٍ عن صحابة رسول الله الذين زكاهم الله سبحانه وتعالى، فرحمه الله كم كانت صفاته جليلة وعظيمة!   المبحث الثاني: مكانته وأقوال الصحابة والتابعين فيه: المطلب الأول: مكانته وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: للصحابي الجليل أبي دجانة الأنصاري مكانة خاصة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه المكانة صنعتها مواقفه الجليلة وتفانيه في نصرة الإسلام، دلت على هذا مواقف النبي معه وأقواله فيه؛ ومن تلك المواقف عندما عرض النبي سيفه على جمع كبير من شجعان الصحابة أهل البأس والقوة، وأعطاه لأبي دجانة، وفضَّله عليهم، كان ذلك لسبب وجيه؛ فيروى أنه عندما التحم الجيشان واشتد القتال وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم يشحذ همم أصحابه، ويعمل على رفع معنوياتهم أخذ سيفًا، وقال: من يأخذ مني هذا؟ فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا أنا - وكان منهم الزبير - قال: فمن يأخذه بحقه؟ فأحجم القوم، فقال سماك بن خرشة أبو دجانة: وما حقه يا رسول الله؟ قال: أن تضرب به العدو حتى ينحني، قال: أنا آخذه بحقه، فدفعه إليه وكان رجلًا شجاعًا يختال عند الحرب - أي يمشي مشية المتكبر - وحين رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبختر بين الصفين قال: إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن[10]، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بحسن القتال، فقال لعليٍّ: ((إن كنت قد أحسنت القتال، فقد أحسنه أبو دجانة))[11]، ومن هذا يتبين مكانته الجليلة عند النبي صلى الله عليه وسلم.   المطلب الثاني: مكانته وأقوال الصحابة والتابعين فيه: أما مكانته عند الصحابة، فكانت كبيرة، دلت عليها مواقفهم معه وأقوالهم فيه؛ ومن ذاك ما رواه الزبير بن العوام في شدته وبأسه؛ ففي يوم أحد قال الزبير: ((وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيفَ فمَنَعْنِيه، وأعطاه أبا دجانة، وتركني، والله لأنظرن ما يصنع، فأتبعته فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت - وهكذا كانت تقول له إذا تعصب - فخرج وهو يقول: أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيلِ ألَّا أقوم الدهر في الكيول أضرب بسيف الله والرسولِ فجعل لا يلقى أحدًا إلا قتله، وكان من المشركين رجل لا يدع جريحًا فالتقيا إلا ذفف عليه، فجعل كل منهما يدنو من صاحبه، فدعوت الله أن يجمع بينهما، فالتقيا، فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتَّقاه بدرقته، فعضت بسيفه وضربه أبو دجانة فقتله، ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة، ثم عدل السيف عنها، فقلت: الله ورسوله أعلم، قال ابن إسحاق: قال أبو دجانة: رأيت إنسانًا يحمس الناس حماسًا شديدًا، فصمدت له، فلما حملت عليه السيف ولول، فإذا امرأة، فأكرمت سيف رسول الله أن أضرب به امرأة[12]؛ كما رُوي عن كعب بن مالك قَالَ: ((وَإِذَا رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ جَامِعُ اللأْمَةِ يَصِيحُ: اسْتَوْسِقُوا كَمَا يُسْتَوْسَقُ جُرْبُ الْغَنَمِ، وَإِذَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ لَأْمَتُهُ، فَمَشَيْت حَتَّى كُنْت مِنْ وَرَائِهِ ثُمَّ قُمْت أُقَدِّرُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ بِبَصَرِي، فَإِذَا الْكَافِرُ أَكْثَرُهُمَا عُدَّةً وَأُهْبَةً، فَلَمْ أَزَلْ أَنْظُرُهُمَا حَتَّى الْتَقَيَا، فضرب المسلم الكافرعَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ بِالسَّيْفِ، فَمَضَى السَّيْفُ حَتَّى بَلَغَ وَرِكَيْهِ، وَتَفَرَّقَ الْمُشْرِكُ فِرْقَتَيْنِ، وَكَشَفَ الْمُسْلِمُ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى يَا كَعْبُ؟ أَنَا أَبُو دُجَانَةَ))[13]، فرحمه الله من فارسٍ مغوار.   المبحث الثالث: جهاده في سبيل الله ووفاته: المطلب الأول: جهاده في غزوة بدر الكبرى: تعد غزوة بدر أولى المعارك التي كانت بين المشركين والمسلمين، وكان ما قبلها من موجهات عبارة عن مناوشات لم ترتقِ إلى درجة المعركة الكبرى، فكانت المعركة الكبرى معركة بدر الكبرى، أو الفرقان كما أسماها رب العزة عز وجل: ? وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [الأنفال: 41]، لقد كان بطلنا أبو دجانة الأنصاري معلمًا بعصابة حمراء عصابة الموت[14]، ولما اشتدت المعركة وَجَالَ الْمُسْلِمُونَ وَاخْتَلَطُوا، أَقْبَلَ عَاصِمُ بْنُ أَبِي عَوْفِ بْنِ صُبَيْرَةَ السَّهْمِيِّ كَأَنَّهُ ذِئْبٌ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، عَلَيْكُمْ بِالْقَاطِعِ، مُفَرِّقِ الْجَمَاعَةِ، الْآتِي بِمَا لَا يُعْرَفُ؛ مُحَمِّدٍ! لَا نَجَوْت إنْ نَجَا! وَيَعْتَرِضُهُ أَبُو دُجَانَةَ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، وضربه أبو دجانة فقتله، وَوَقَفَ عَلَى سَلَبِهِ يَسْلُبُهُ، فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَقَالَ: دَعْ سَلَبَهُ حَتَّى يُجْهَضَ الْعَدُوُّ، وَأَنَا أَشْهَدُ لَك بِهِ، وَيُقْبِلُ مَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ، فَضَرَبَ أَبَا دُجَانَةَ ضَرْبَةً، بَرَكَ أَبُو دُجَانَةَ كَمَا يَبْرُكُ الْجَمَلُ، ثُمَّ انْتَهَضَ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ فَضَرَبَهُ ضَرَبَاتٍ لَمْ يَصْنَعْ سَيْفُهُ شَيْئًا، حَتَّى يَقَعُ مَعْبَدٌ بِحُفْرَةٍ أَمَامَهُ لَا يَرَاهَا، وَبَرَكَ عَلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ، فَذَبَحَهُ ذَبْحًا، وَأَخَذَ سَلَبَهُ[15]، وكان قد قتل الكثير من فرسان المشركين وشجعانهم أمثال: أبي العاص بن قيس، ومعبد بن وهب، ومعاوية بن عبدقيس، وغيرهم ممن شارك في قتله[16]، فرحمه الله من أسد مقدام.   المطلب الثاني: جهاده في غزوة أحد: أما في غزوة أحد، فقد كان موقفه عظيمًا يدل على الشجاعة والإقدام؛ فقد روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فِعاله في غزوة أحد، فقال: ((جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد))[17]، وهذا دليل على قتاله وبأسه في تلك المعركة، فقد اتصف رضي الله عنه بالثبات والعزيمة، وحب الشهادة في سبيل الله تعالى، وقد وصف لنا رضي الله عنه ما فعله أبو دجانة الأنصاري في تلك الغزوة، فعندما التحم الجيشان واشتد القتال، وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم يشحذ همم أصحابه، ويعمل على رفع معنوياته وأخذ سيفًا، وقال: من يأخذ مني هذا؟ فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا أنا - وكان منهم الزبير- قال: فمن يأخذه بحقه؟ فأحجم القوم، فقال سماك بن خرشة أبو دجانة: وما حقه يا رسول الله؟ قال: أن تضرب به العدو حتى ينحني، قال: أنا آخذه بحقه، فدفعه إليه، وكان رجلًا شجاعًا يختال عند الحرب – أي: يمشي مشية المتكبر - وحين رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبختر بين الصفين، قال: إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن[18]، ووصف الزبير بن العوام ما فعله أبو دجانة يوم أحد فقال: وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف، فمنعنيه، وأعطاه أبا دجانة وتركني، والله لأنظرن ما يصنع، فأتبعته فأخرج عصابة له حمراء، فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت - وهكذا كانت تقول له إذا تعصب - فخرج وهو يقول: أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيلِ ألَّا أقوم الدهر في الكيول أضرب بسيف الله والرسولِ فجعل لا يلقى أحدًا إلا قتله، وكان من المشركين رجل لا يدع جريحًا فالتقيا إلا ذفف عليه، فجعل كل منهما يدنو من صاحبه، فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه، وضربه أبو دجانة فقتله، ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة ثم عدل السيف عنها، فقلت: الله ورسوله أعلم، قال ابن إسحاق: قال أبو دجانة: رأيت إنسانًا يحمس الناس حماسًا شديدًا، فصمدت له، فلما حملت عليه السيف ولول، فإذا امرأة، فأكرمت سيف رسول الله أن أضرب به امرأة[19]، ولمَّا حل التراجع بالمسلمين نتيجة نزول الرماة من جبل الرماة، وانهار الجيش الإسلامي، وحاول المشركون قتل النبي صلى الله عليه وسلم ثبت أبو دجانة وسعد بن أبي وقاص؛ فقد قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ((وَتَرَّسَ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو دُجَانَةَ بِنَفْسِهِ، يَقَعُ النَّبْلُ فِي ظَهْرِهِ، وَهُوَ مُنْحَنٍ عَلَيْهِ، حَتَّى كَثُرَ فِيهِ النَّبْلُ، وَرَمَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ سَعْدٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُنَاوِلُنِي النَّبْلَ وَهُوَ يَقُولُ: ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، حَتَّى إنَّهُ لَيُنَاوِلُنِي السَّهْمَ مَا لَهُ نَصْلٌ، فَيَقُولُ: ارْمِ بِهِ))[20]، فرحمه الله من بطل مغوار فعل الأفاعيل بالكفار في أحد.   المطلب الثالث: دوره في معركة اليمامة: لقد كانت حروب الردة ذات أثر كبير على المسلمين؛ امتُحن فيها صبرهم، ونُقِّيت صفوفهم، وعلم الناس بلاءهم وثباتهم، وكانت اليمامة من أبرز تلك المعارك؛ لأن العدو فيها مسيلمة الكذاب، وبنو حنيفة الذين بايعوه على النبوة والزعامة، وكانت من الضراوة بمكان؛ فقد استشهد فيها خمسمائة من الصحابة، فيهم سبعون من حفظة القرآن، وكانت الدولة للمشركين على المسلمين، ولكن الله غالب على أمره، كسر المشركين وأعز المسلمين، حتى إن بني حنيفة احتموا بحديقة مسورة أخذت المعركة اسمها منها حديقة الموت، وعبثًا حاول المسلمين اختراقها حتى بدت بطولة أبي دجانة والبراء وخالد وغيرهم، وأبدى البطل شجاعة فائقة؛ حيث رمى بنفسه في الحديقة يومئذٍ، فانكسرت رجله فقاتل[21]، واشترك مع وحشي في قتل عدو الله مسيلمة الكذاب[22].   المطلب الرابع: وفاته: توفي أبو دجانة الأنصاري سنة اثنتا عشرة للهجرة في ساحات الوغى، تقبله الله في الشهداء، وجعل منزلته الفردوس الأعلى بعد حياة مليئة بالأحداث والتضحيات والتفاني والبطولة في حروب الردة في قتال بني حنيفة، فحمل عليهم حملة كتيبة، وقاتل، حتى كُسرت قدمه، واستُشهد بعد أن اشترك في قتل عدو الله مسيلمة كما مر سابقًا، وكان ذلك في خلافة أبي بكر الصديق.   الخاتمة: مما تقدم من سطور البحث يتبين لنا أن سماك بن خرشة وكنيته أبو دجانة الأنصاري الساعدي رجلٌ من الأنصار من الخزرج من بني ساعدة، دخل الإسلام مع مَن دخل من الأنصار، وكان ممن أوى النبي صلى الله عليه وسلم ونصره وعزروه، ودافعوا عنه، وثبتوا في سبيل الدعوة الإسلامية، وعادوا القريب والغريب في سبيل نصرة الدين، كما يتبين أن الصحابي الجليل أبا دجانة الأنصاري كان ممن حمل جميل الطباع وخير الفِعال، فكان كريمًا رغم فقره، وأبيًّا رغم حاجته، ووفيًّا في المواقف، مضحيًا بروحه في سبيل الدين والرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، كما كان لا يتدخل فيما لا يعنيه وهي صفة المؤمن، لا بل من حسن إسلامه؛ كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، كما كان قلبه لا يحمل على مسلم ضغينة أو حقدًا، أو حسدًا أو طمعًا، أو غير ذلك من الصفات الذميمة التي ابتعد عنها بطلنا، أما مكانته، فقد كانت مكانة كبيرة ومنزلة عظيمة عند النبي صلى الله عليه وسلم؛ مما يدل على هذا تفضيلُه في إعطاء السيف النبوي دون غيره، وثناؤه على أبي دجانة بعد المعركة، كما أن منزلته عند الصحابة لا تقل منزلة عن مكانته عند النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الصحابة رضي الله عنهم يعرفون له منزلته وقيمته وفضله، كما يتبين من سطور البحث المتواضع أنه شجاع مقدام مغوار ذو بأس، يقاتل بسيفين، ويشطر عدوه شطرين، فضله النبي في أُحُدٍ عمن سواه من الأبطال المعدودين، فأعطاه سيفه، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بشجاعته في القتال، ولم ينتهِ الأمر في حياة النبي؛ فقد قاتل في حروب الردة قتال الأبطال، وكان متفانيًا ومقدمًا ومضحيًا، ولا سيما في معركة حديقة الموت مع بني حنيفة؛ حيث ألقى بنفسه إلى الحديقة ليفتح الباب وبالفعل فتحه وقاتل حتى شارك في قتل عدو الله مسيلمة الكذاب، لقد كان أبو دجانة مثالًا يحتذى في الشجاعة والإخلاص، والوفاء والكرم والإباء، وليس في ذلك عجب؛ فإنه من الأنصار الذين أووا ونصروا، وبذلوا الغالي والنفيس من أجل نصرة الإسلام ونبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، أما وفاته، فكانت فداء بنفسه لقتال أعداء الله الذين ارتدوا عن الدين، وتضحية وفتح باب مغلق بوجه المسلمين، رحم الله البطل المغوار الصحابي الجليل أبا دجانة الأنصاري، وأسكنه فسيح جناته.   المصادر والمراجع: • القرآن الكريم.   المصادر الأولية: ابن الأثير: أبو الحسن علي بن محمد الجزري (ت: 630هـ): (1) أسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبدالموجود، دار الكتب العلمية (بيروت: 1994)، ط1.   ابن حجر: أحمد بن علي العسقلاني (ت: 852هـ): (2) لسان الميزان، مؤسسة الأعلمي للنشر والتوزيع، (بيروت: 1971)، ط2.   ابن خيثمة: أبو بكر أحمد (ت: 279هـ). (3) إخبار المكيين من تاريخ ابن خيثمة، تحقيق: إسماعيل حسن حسين، دار الوطن، (الرياض: 1997)، ط1.   ابن سعد: محمد بن سعد البصري (ت: 224هـ): (4) الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، (بيروت: 1990)، ط1.   ابن عبدالبر: يوسف بن عبدالله القرطبي (ت: 463هـ): (5) الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، (بيروت: 1992)، ط1.   ابن هشام: محمد بن عبدالملك المعافري (ت: 213هـ): (6) السيرة النبوية، تحقيق: محمد علي سمك، الكتاب العالمي، (بيروت: 2008).   البخاري: أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم (ت: 256هـ): (7) التاريخ الكبير، تحقيق: محمد عبدالمعيد خان، دائرة المعارف العثمانية، (حيدر أباد: د/ ت).   الدولابي: أبو بشر محمد الرازي (ت: 310هـ): (8) الكنى والأسماء، تحقيق: أبو قتيبة نظر محمد الفريابي، دار ابن حزم، (بيروت: 200)، ط1.   الذهبي: محمد بن أحمد بن عثمان (ت: 748هـ): (9) تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق: عمر عبدالسلام تدمري، دار الكتاب العربي، (بيروت: 1993)، ط2.   العبيدي: أبو عبدالله محمد بن منده (ت: 395هـ): (11) فتح الباب للكنى والألقاب، تحقيق: أبي قتيبة نظر محمد الفريابي، مكتبة الكوثر، (السعودية: 1996)، ط1.   مسلم: أبو الحسين بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت: 261 هـ): (12) الكنى والأسماء، تحقيق: عبدالرحيم محمد القشقري، الجامعة الإسلامية، (المدينة المنورة: 1984).   المراجع الثانوية: خير الدين الزركلي: (1) الأعلام، دار العلم للملايين، (بيروت: د/ ت). [1] ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 240. [2] البخاري، التاريخ الكبير، 7/ 387، وينظر: ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان، 8/ 58. [3] الدولابي، الكنى والأسماء، 1/ 208؛ ينظر: مسلم بن الحجاج، الكنى والأسماء، 1/ 305؛ العبدي، فتح الباب في الكنى والألقاب، 304. [4] خير الدين الزركلي، الأعلام، 3/ 139. [5] ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 240. [6] ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 515. [7] الذهبي، تاريخ الإسلام، 1/ 108. [8] ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 420. [9] الصفوري، عبدالرحمن بن عبدالسلام ت: 894هـ، نزهة المجالس ومنتخب النفائس،المطبعة الكاستلية، مصر: 1283، 1/ 206. [10])) ابن الاثير، اسد الغابة في معرفة الصحابة، 2/ 550. [11])) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 516. [12] الذهبي، تاريخ الإسلام، 1/ 108. [13] الواقدي، المغازي، 1/ 261. [14] الواقدي، المغازي، 1/ 76. [15] الواقدي، المغازي، 1/ 86. [16] الواقدي، المغازي، 1/ 152. [17] ابن خيثمة، أخبار المكيين من تاريخ ابن خيثمة، 410. [18] ابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة، 2/ 550. [19])) الذهبي، تاريخ الاسلام، 1/ 108. [20])) ابن هشام، السيرة النبوية، 2/ 82. [21] ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 420. [22] ابن كثير، المصدر السابق، 6/ 375. "
شارك المقالة:
18 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook