"أولئك الذين هَدَى الله (1) هؤلاء أحَبُّوا رسول الله قال تعالى: ? وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ? [النساء: 69]. قال الإمام البغوي في تفسيره: نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان شديدَ الحُبِّ لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قليلَ الصبرِ عنه، فأتاه ذاتَ يومٍ وقد تَغَيَّرَ لونُه، يُعرَف الحزنُ في وجهه، فقال له الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما غَيَّرَ لونَك؟))، فقال: يا رسول الله، ما بي مرضٌ، ولا وَجَعٌ، غير أني إذا لم أَرَكَ استوحشتُ وحشةً شديدةً حتى ألقاك، ثم ذكرتُ الآخرةَ فأخاف أني لا أراك؛ لأنك تُرفَع مع النبيِّين، وإني إنْ دخلتُ الجَنَّةَ في منزلة أدنى مِن منزلتِك، وإنْ لم أدخل الجَنَّةَ لا أراك أبدًا، فنزلتْ هذه الآية. ومن نماذج المحبِّين: • عبد الله بن زيد رضي الله عنه؛ كان يَعمَل في حديقة له، فأتاه ابنُه فأخبرَه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد تُوُفِّي، فقال: اللهمَّ أَذْهِبْ بَصَري؛ حتى لا أرى بعد حبيبي محمد أحدًا، فكُفَّ بَصَرُه واستجاب الله دعاءه. • وهذا بلال الحبشي مؤذن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ نشأ منذ إيمانه على حُبِّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى جاءه الموتُ، فسمع بعضَ أهلِه يقول: (واكرباه!) فإذا بلال قد فتح عينه مبتسمًا ثغرُه قائلًا: واطرَباه؛ غدًا نلقى الأحبَّة، محمدًا وحزبه. • وكان عبد الله الزبير رضي الله عنه إذا ذُكِرَ عنده النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع. ومن نماذج حُبِّ النساء له صلَّى الله عليه وسلَّم: • تلك المرأة الأنصارية: ? قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ? [يونس: 58]، التي قُتل أبوها وأخوها وزوجُها يومَ أُحُدٍ مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقالت: ما فَعَلَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قالوا: خيرًا هو بحمد الله كما تحبِّين، فقالت: أرونيه، حتى أنظر إليه، فلمَّا رأتْه، قالت: كلُّ مصيبةٍ بَعدَك جَلَلٌ يا رسول الله. • حدَّث عمرو بن العاص يومًا، فقال: ما كان أَحَدٌ أَحَبَّ إليَّ مِن رسولِ الله، ولا أَجَلَّ في عيني منه، وما كنتُ أطيق أن أملأ عيني منه؛ إجلالًا له، ولو سُئلْتُ أنْ أصِفَهُ ما أَطَقْتُ؛ لأني لم أكُن أملأ عيني منه. • قال عروة بن مسعود حين وجَّهَتْه قريشٌ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يومَ صُلْح الحديبية، ورأى مِن تعظيمِ أصحابِ رسولِ الله، ومَحَبَّتهم له ما رأى، وأنه لا يتوضأ إلا ابتَدَروا وَضُوءَه، وكادوا يقتتلون عليه، ولا يَبصُق بصاقًا، ولا يتنخَّم نخامة، إلا تلقَّوه بأكفِّهم، فدلكوا بها وجوهَهم وأجسادَهم، ولا تَسقُط منه شعرة إلا ابتَدَروها، وإذا أَمَرَهم بأمر ابتدروا أَمْرَه، وإذا تكلَّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيمًا له. • ورُوي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ أنه إذا حَدَّث، فقال: (قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) علاه كَرْبٌ، وتَحَدَّرَ العرقُ مِن جَبِينِه رضي الله عنه وأرضاه. بل إن مَحَبَّته صلَّى الله عليه وسلَّم تقتضي مَحَبَّة أصحابه رضوان الله عليهم؛ يقول عبد الله بن المبارك: خصلتان مَن كانتا فيه، نجا؛ الصدْق وحُبُّ أصحابِ محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم . ويقول أيوب السختياني: مَن أحبَّ أبا بكر، فقد أقام الدِّينَ، ومَن أحبَّ عمرَ، فقد أوضَح السبيلَ، ومَن أحبَّ عثمانَ، فقد استضاء بنور الله، ومَن أحبَّ عليًّا، فقد أخَذ بالعروة الوثقى، ومَن أحسَنَ الثناءَ على أصحاب محمد صلَّى الله عليه وسلَّم بَرِئَ مِن النفاق، ومَن انتقَص أحدًا منهم، فهو مبتدِع مخالِف للسُّنَّة والسلَف الصالح، وأخاف ألا يُرفَع له عملٌ إلى السماء، حتى يُحبَّهم جميعًا، ويكُون قلبُه سليمًا. إنَّ مَحَبَّة رسولِ الله هي المنزلة التي يَتنافَس فيها المتنافِسون، وإليها يَشْخص العامِلون، وعليها يتفانى المحبُّون، وبروح نسيمها يتروَّح العابدون، فهي مِن قُوتِ القلوب، وغذاءِ الأرواح، وقرَّة العيون. ومَحَبَّة المصطفى والاقتداء به حياة، مَن حُرمها فهو مِن جملة الأموات، ونورٌ مَن فَقَدَهُ فهو في بحر الظلمات، فلا حياة للقلوب إلا بمحبة الله ومحبة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم والاقتداءِ به. ألا ترى المحبِّين قرَّت أعينُهم بحبيبهم، وسَكنَت نفوسُهم إليه، واطمأنَّتْ قلوبهم به، واستأنَسوا بقُربه، وتنعَّموا بمحبته، وصاروا أعزَّةً في الدنيا وسادةً، وفي الآخرة يَذُوقُون طعْم السعادة، وعلى العكس الذين تنكبوا الطريق، وابتعدوا عن الجادة، حياتُهم كلها هموم وغموم وآلام وحسرات. يقول العلَّامة ابن القَيِّم في زاد المعاد: والمقصود أنه بحسب متابعة الرسول تكُون العزة والكفاية والنصرة، كما أنه بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنجاة، فالله سبحانه عَلَّقَ سعادة الدارَين بمتابعتِه، وجعَل شقاوة الدارَين في مخالفته، فلأتْباعِه الهُدَى والأمن والفلاح، والعزة والكفاية والنصرة، والولاية والتأييد، وطيبُ العيشِ في الدنيا والآخرة، ولمخالِفِيه الذلة والصغار والخوف والضلال، والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة. وليس محبًّا مَن يَعُدُّ شقاءَه ??? عذابًا إذا ما كانَ يَرضَى حبيبُه فعلى كلِّ مَن نَصَح نفسَه، وأَحَبَّ نجاتها وسعادتها - أن يَعرف مِن هدي المعصوم وسيرتِه وحياتِه ما يخرج به عن الجاهلية، ويدخل به في عِدادِ أتباعِه العارفين به، والناسُ في هذا بين مُستَقِلٍّ ومُستَكْثِر ومحروم، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. أسأل الله أن يجعلنا مِن حزبه المخلصين، وأن يُورِدنا حوضَهُ، ويحْشُرنا في زُمْرَته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. المادة باللغة الإنجليزية اضغط هنا "
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.